نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة

مقدمة

تمثل الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة أحد أهم الملفات الاقتصادية والعمرانية التي أولتها حكومة المملكة اهتماماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة. إذ إن بقاء مساحات شاسعة من الأراضي داخل النطاقات العمرانية دون تطوير أو استثمار يؤدي إلى اختلال في توازن السوق العقاري، وارتفاع غير مبرر في أسعار الأراضي والوحدات السكنية، مما ينعكس سلباً على فرص تملك المواطنين للسكن.

وانطلاقاً من رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى رفع كفاءة استخدام الأراضي وتحقيق التنمية العمرانية المستدامة، صدر نظام رسوم الأراضي البيضاء بموجب المرسوم الملكي رقم (م/4) وتاريخ 12/2/1437هـ، ليكون أداة تنظيمية واقتصادية تستهدف زيادة المعروض من الأراضي المطوّرة، وتحقيق عدالة أكبر في توزيع الفرص الاستثمارية العقارية.

أولاً: مفهوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة

الأراضي البيضاء هي الأراضي الخالية من المباني أو الاستخدام الفعلي، الواقعة داخل النطاق العمراني المعتمد للمدن. ويُقصد بالعقارات الشاغرة كل عقار غير مستغل أو غير مستخدم، سواء كان أرضاً أو مبنىً، رغم قابليته للتطوير أو الاستثمار.

وبعبارة أخرى، فالأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة تمثل مخزوناً خاماً في القطاع العقاري لم يتم إدخاله بعد في الدورة الاقتصادية، وهو ما يُسبب فجوة بين العرض والطلب ويُعيق التنمية العمرانية المتوازنة.

ثانياً: أهداف النظام

يهدف نظام رسوم الأراضي البيضاء إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، من أبرزها:

  1. زيادة المعروض من الوحدات العقارية داخل المدن لتقليل الفجوة بين العرض والطلب.
  2. تحقيق التوازن في السوق العقاري والحد من الممارسات الاحتكارية.
  3. المساهمة في توفير السكن للمواطنين بأسعار مناسبة.

ثالثاً: نطاق تطبيق النظام

يُطبق النظام على الأراضي البيضاء الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن المحددة بقرار من وزارة البلديات والإسكان.
ويُحدد الوزير – بناءً على توصية اللجنة المختصة – المدن المستهدفة والمراحل الزمنية لتطبيق الرسوم فيها، وذلك وفقاً لمعايير تتعلق بنسبة التطوير، وحجم الطلب على السكن، وكثافة الأراضي غير المستغلة.

رابعاً: مراحل تطبيق النظام

قسم النظام تطبيق الرسوم إلى أربع مراحل تدريجية وفقاً لطبيعة الأرض ومساحتها وموقعها:

  1. المرحلة الأولى: الأراضي غير المطورة المملوكة لشخص واحد داخل النطاق العمراني بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر.
  2. المرحلة الثانية: الأراضي المطورة العائدة لشخص واحد في مخطط معتمد واحد بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر.
  3. المرحلة الثالثة: الأراضي المطورة العائدة لشخص واحد في مدينة واحدة بمساحة إجمالية عشرة آلاف متر مربع فأكثر.
  4. المرحلة الرابعة: الأراضي غير المطورة التي تبلغ مساحتها خمسة آلاف متر مربع فأكثر ضمن النطاق العمراني.

يتم الانتقال بين المراحل وفقاً لقرارات تصدرها اللجنة الوطنية لرسوم الأراضي البيضاء، بناءً على نتائج التطبيق في كل مدينة ومستوى تجاوب السوق.

خامساً: مقدار الرسوم وآلية احتسابها

حدد النظام أن نسبة رسم سنوي هي(10%)من قيمة الأرض، وتُقدر القيمة من قبل لجنة التقييم المختصة استناداً إلى معايير سوقية عادلة، تراعي موقع الأرض ومساحتها واستخدامها والأنشطة المحيطة بها.

ويُستحق الرسم سنوياً، ويستمر فرضه حتى يتم تطوير الأرض أو بيعها. أما في حال تطويرها تطويراً جزئياً، فيجوز تخفيض الرسم بحسب نسبة التطوير المنجز فعلاً.

سادساً: آلية التحصيل والإعفاءات

تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان – من خلال برنامج رسوم الأراضي البيضاء – إدارة العملية كاملة، بدءاً من التسجيل وحتى التحصيل.

  • يجب على مالك الأرض تسجيل أرضه في المنصة الإلكترونية خلال المهلة المحددة، مع تقديم المعلومات الدقيقة عنها خلال المدة.
  • في حال عدم التسجيل أو التأخر في السداد، تُفرض غرامات مالية إضافية.
  • يعتبر مالك العقار -في جميع الأحوال- المسؤول الأول عن دفع الرسوم أو الغرامات ما لم يدفع من في حكم مالك العقار تلك الرسوم أو الغرامات
  • يبلغ مالك الأرض -ومن في حكمه- بمقدار الرسم المستحق عليه، وفقاً لآليات التبليغ المحددة في اللوائح”

سابعاً: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للنظام

أثبت النظام خلال السنوات الماضية فعاليته في تحريك السوق العقاري ورفع معدلات التطوير في المدن الكبرى، خصوصاً الرياض وجدة والدمام. ومن أبرز نتائجه:

  1. زيادة المعروض من الأراضي المطورة نتيجة توجه الملاك إلى التطوير لتفادي دفع الرسوم.
  2. انخفاض أسعار بعض الأراضي الخام داخل النطاق العمراني.
  3. دعم مشاريع الإسكان الحكومية من خلال العائدات المالية المتحصلة من الرسوم.
  4. تحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع التطوير العقاري.
  5. إعادة توجيه الاستثمارات العقارية من المضاربة إلى البناء والإنتاج الفعلي.

من الجانب الاجتماعي، ساهم النظام في تعزيز العدالة السكنية وتمكين المواطنين من تملك مساكن بأسعار أكثر منطقية.

ثامناً: التحديات التي تواجه التطبيق

رغم نجاح النظام، إلا أن هناك تحديات مستمرة تتطلب معالجة دقيقة، منها:

  • صعوبة حصر بعض الأراضي وتحديد ملكياتها بدقة.
  • تفاوت أسعار التقييم في بعض المناطق مما يستدعي توحيد آليات التقدير.
  • محاولات التحايل عبر تجزئة الملكيات أو نقلها صورياً لتفادي الرسوم.
  • البطء في تطوير بعض الأراضي بسبب نقص الخدمات أو البنية التحتية المحيطة.
  • الحاجة إلى التوسع في شمول العقارات الشاغرة المبنية التي لا تُستخدم فعلياً، لتحقيق التكامل مع النظام الحالي.

تاسعاً: مستقبل النظام واتجاهات التطوير

تعمل الوزارة حالياً على تطوير النظام ليشمل العقارات الشاغرة وليس الأراضي البيضاء فقط، وذلك لتشجيع الاستخدام الأمثل للأصول العقارية داخل المدن. كما يجري العمل على الربط الإلكتروني الشامل بين الجهات ذات العلاقة مثل وزارة العدل والهيئة العامة للعقار والأمانات لضمان دقة البيانات وسرعة التحصيل.

ومن المتوقع أن يتوسع النظام ليصبح جزءاً من سياسة متكاملة لإدارة الأراضي تشمل أدوات متنوعة، مثل ضريبة العقار غير المستغل، ورسوم التطوير، وحوافز البناء السكني، بما يحقق التوازن الكامل بين العرض والطلب.

عاشراً: الخاتمة

يُعد نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة أحد أهم الأنظمة الإصلاحية في تاريخ السوق العقاري السعودي. فهو لا يهدف إلى الجباية بقدر ما يسعى إلى إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية للأراضي، وتحقيق العدالة في فرص التطوير والاستثمار.
إن نجاح هذا النظام يعتمد على الالتزام والشفافية والتعاون بين الجهات الحكومية والمطورين والمواطنين، لضمان تحقيق أهدافه في توفير السكن الملائم، وتعزيز جودة الحياة، ودعم التنمية الحضرية المستدامة التي تتماشى مع مستهدفات رؤية 2030.