مقدمة
قسمة التركات والأموال المشتركة هي من المواضيع القانونية المهمة التي تتناول توزيع الممتلكات بعد وفاة صاحبها وفقاً للشريعة الإسلامية والنظام القانوني في المملكة العربية السعودية. يُعتبر موضوع قسمة التركات من المسائل التي تتطلب دقة في التطبيق وحساسية عالية لضمان تحقيق العدالة بين الورثة وتقسيم الأموال المشتركة بشكل منصف، سواء أكانت بين أفراد الأسرة أو بين الشركاء في عمل تجاري.
تهدف هذه المقالة إلى توضيح مفهوم قسمة التركات والأموال المشتركة، والتطرق إلى القواعد الشرعية والقانونية المنظمة لهذه العملية في السعودية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على حقوق الورثة، والمسائل التي قد تنشأ بين الأطراف المعنية.
مفهوم التركة والأموال المشتركة
1. تعريف التركة
التركة هي جميع الممتلكات التي يتركها الشخص المتوفى بعد وفاته وتشمل العقارات، الأموال النقدية، الممتلكات المنقولة، والأصول الأخرى التي تخضع للتوزيع بين الورثة. يشمل ذلك أيضاً الالتزامات المالية، كالديون والالتزامات الأخرى التي ينبغي سدادها قبل تقسيم التركة بين المستحقين.
2. تعريف الأموال المشتركة
الأموال المشتركة هي الممتلكات التي تكون مملوكة بشكل مشترك بين أكثر من شخص، سواء كان ذلك نتيجة لشراكة في العمل أو نتيجة لترتيبات عائلية مثل التركات التي لم يتم تقسيمها بعد وفاة أحد الأطراف. هذه الأموال تتطلب توزيعاً عادلاً عندما يحين وقت الفصل بين الملكيات المشتركة، سواء كان ذلك بالبيع أو بالتقسيم.
الأسس الشرعية والقانونية لقسمة التركات
1. الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي
يستند نظام قسمة التركات في المملكة العربية السعودية إلى الشريعة الإسلامية، وهي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد. ويحدد الإسلام كيفية تقسيم التركة بين الورثة بناءً على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية. هناك آيات محددة في القرآن تشرح كيفية تقسيم التركة وفقاً للأنصبة الشرعية.
قال تعالى:
“يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ” (النساء: 11).
هذا النص يشير إلى أن للذكر نصيباً مضاعفاً مقارنة بالأنثى في بعض الحالات، وهو ما يُعتبر قاعدة أساسية في تقسيم الميراث.
2. دور القضاء في السعودية
تلعب المحاكم السعودية دوراً مهماً في تنظيم قسمة التركات وتحديد الأنصبة الشرعية. تقوم المحكمة بتعيين قاضي للنظر في القضايا المتعلقة بالتركات، وتتولى مسؤولية تحديد الورثة الشرعيين وتوزيع التركة وفقاً للأنصبة المحددة شرعاً. في حال وجود نزاع بين الورثة حول تقسيم التركة، يتم اللجوء إلى المحكمة للفصل في الأمر.
خطوات قسمة التركات في المملكة العربية السعودية
1. حصر التركة
أول خطوة في قسمة التركات هي حصر التركة، حيث يتم تحديد جميع الممتلكات التي كان يملكها المتوفى، بما في ذلك الأصول الثابتة مثل العقارات، والأصول المنقولة مثل الأموال النقدية والمجوهرات. كما يتم حصر الديون والالتزامات المالية التي يجب سدادها قبل تقسيم التركة.
2. سداد الديون
قبل توزيع التركة، يتوجب سداد جميع ديون المتوفى والتزاماته المالية. هذا يشمل القروض، الفواتير غير المدفوعة، والضرائب المتأخرة، إن وجدت. في بعض الأحيان، قد تكون التركة غير كافية لسداد الديون بالكامل، وفي هذه الحالة يتم تقاسم الديون بين الورثة حسب النسبة الشرعية.
3. توزيع الأنصبة الشرعية
بعد سداد الديون، يتم توزيع ما تبقى من التركة بين الورثة وفقاً للأنصبة الشرعية المحددة في الشريعة الإسلامية. تختلف هذه الأنصبة بناءً على العلاقة بين المتوفى والورثة، وتحدد المحكمة كيفية تقسيم التركة بناءً على حصر الورثة.
على سبيل المثال:
- الوالدان: لكل واحد منهما سدس التركة في حال وجود أولاد للمتوفى.
- الزوجة: تحصل على ربع التركة في حال عدم وجود أبناء، والثمن في حال وجود أبناء.
- الأبناء: يحصلون على ما تبقى من التركة، حيث يحصل الذكر على ضعف نصيب الأنثى.
قسمة الأموال المشتركة
1. الشراكة التجارية
في حالة الشراكات التجارية، يتعين على الأطراف الشريكة تحديد نسبة كل شريك في رأس المال والأرباح. عند وفاة أحد الشركاء، يمكن أن تصبح التركة جزءاً من الأموال المشتركة التي يجب توزيعها على الورثة وفقاً للقوانين التجارية والشرعية. يمكن اللجوء إلى المحكمة لتحديد قيمة الأصول المشتركة وتحديد حصة الورثة بناءً على عقد التأسيس للشركة.
2. الأموال غير القابلة للتقسيم
بعض الممتلكات مثل العقارات قد لا تكون قابلة للتقسيم المادي بين الورثة. في هذه الحالة، يمكن اللجوء إلى بيع العقار وتقسيم العائدات بين الورثة، أو قد يتفق الورثة على أن يحصل أحدهم على العقار مقابل تعويض مالي لباقي الورثة. المحاكم السعودية تلعب دوراً في تسهيل هذه العملية وضمان توزيع العائدات بشكل عادل.
3. حل النزاعات بين الورثة
في حال نشوء نزاع بين الورثة حول قسمة التركة أو الأموال المشتركة، يمكن اللجوء إلى المحكمة لحل النزاع. تنظر المحكمة في الدعوى وتحدد بناءً على الأدلة والشهادات كيفية توزيع الأموال المشتركة بطريقة عادلة. قد يتم تعيين خبير لتقييم قيمة الأصول وتقديم توصيات للمحكمة حول كيفية تقسيمها.
المسائل القانونية المتعلقة بقسمة التركات والأموال المشتركة
1. الوصايا
تعتبر الوصية أحد المواضيع المهمة في قسمة التركات. يحق للشخص أن يوصي بما لا يزيد عن ثلث التركة لأشخاص غير الورثة، وفي حال كانت الوصية تتجاوز هذا الثلث، يجب موافقة الورثة. يتم تنفيذ الوصايا قبل تقسيم التركة وفقاً للأنصبة الشرعية.
2. الهبات
تعتبر الهبات التي يقدمها المتوفى قبل وفاته جزءاً من قسمة التركات، حيث يمكن أن تؤثر على حجم التركة التي سيتم توزيعها بين الورثة. إذا كانت هناك هبات قدمت لأحد الورثة، فإن ذلك قد يؤثر على نصيبه الشرعي.
3. الديون
من المسائل القانونية المعقدة هي التزامات المتوفى قبل وفاته. يجب تسوية جميع ديونه والالتزامات المالية قبل الشروع في توزيع التركة. في حال عدم كفاية التركة لسداد الديون، يتحمل الورثة جزءاً من هذه الديون وفقاً لنصيبهم الشرعي.
الإطار القانوني لقسمة التركات في السعودية
1. نظام الأحوال الشخصية
ينظم نظام الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية معظم الأمور المتعلقة بالتركات وتقسيمها. يستند هذا النظام إلى الشريعة الإسلامية ويوضح الأنصبة والحقوق الشرعية لكل طرف من الأطراف.
2. نظام الشركات
فيما يتعلق بالشركات التجارية، ينظم نظام الشركات السعودي كيفية قسمة الأموال المشتركة بين الشركاء. يمكن أن تنشأ النزاعات بين الشركاء أو بين الورثة في حالة وفاة أحد الشركاء، ويحدد النظام كيفية تقسيم الأصول وحل النزاعات وفقاً للعقود المبرمة والقوانين التجارية.
3. دور المحكمة
محكمة الاحوال الشخصية هي الجهة المسؤولة عن تنظيم وتوزيع التركات في السعودية. تلعب المحكمة دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة وتحرص على تطبيق الأحكام الشرعية والقانونية بشكل دقيق لضمان تحقيق العدالة.
خاتمة
تعتبر قسمة التركات والأموال المشتركة في المملكة العربية السعودية عملية حساسة ودقيقة تخضع لقواعد الشريعة الإسلامية والإطار القانوني المحلي. تهدف هذه القواعد إلى تحقيق العدالة بين الورثة وحماية حقوقهم بشكل منصف وشفاف. الالتزام بالإجراءات القانونية والشرعية يساعد في تفادي النزاعات وضمان توزيع التركة وفقاً لأحكام الشريعة والقانون، مما يعزز استقرار العلاقات الأسرية والشراكات التجارية. في النهاية، يبقى الوعي بالقوانين والأنظمة المتعلقة بالتركات والأموال المشتركة أمراً ضرورياً لكل من الأفراد والشركات لضمان إدارة الأصول بشكل سليم ومنصف.
المحامي/ فهد ال خفير
رئيس مجموعة فهد ال خفير للمحاماة والاستشارات القانونية