يمثل تنظيم العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل أحد أهم محاور نظام العمل السعودي، لما له من أثر مباشر على استقرار سوق العمل وحماية الحقوق.
ومع إطلاق التحديثات الجديدة لمنصة مدد ، وما تضمنته من ضوابط وإجراءات رقمية تستهدف ضبط عمليات التوثيق، حماية الأجور، وإنهاء العقود، برزت إشكالات قانونية جوهرية تتعلق بحدود إنهاء العلاقة التعاقدية، والضوابط النظامية التي يتعيّن الالتزام بها، سواء من قبل صاحب العمل أو العامل.
وتأتي هذه التحديثات في إطار سعي وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى تعزيز الامتثال؛ وتحقيق أعلى درجات الشفافية والحوكمة؛ وضمان معالجة النزاعات العمالية وفق آليات واضحة ومعلنة.
أولًا: الإطار النظامي الحاكم لإنهاء العقد
يستند إنهاء العلاقة التعاقدية إلى مجموعة من الأنظمة واللوائح، أبرزها:
- نظام العمل السعودي ولائحته التنفيذية
والمواد المتعلقة بإنهاء العقد، ومنها المواد (74 – 80) التي تبين حالات الانتهاء والفصل المشروع.
- منصة مدد – نظام حماية الأجور
والتي أصبحت السجل الرسمي لإثبات مدة العمل الفعلية ودفع الأجور.
- منصة قوى – توثيق العقود
وتتولى تسجيل العقد وإصدار إشعارات الإنهاء، ولا يعتد بأي عقد غير موثق من الناحية القانونية.
- منصة الخلافات العمالية(التسوية الودية)
وهي منصة معنية بالفصل في نزاعات العمل بشكل رقمي، وتمثل المرحلة الابتدائية للنظر في الشكاوى العمالية.
ثانيًا: الضوابط النظامية لإنهاء العقد
- الإشعار المسبق
تشترط المواد النظامية اذا كان الانهاء من طرف العامل أن يتم إنهاء العقد غير المحدد المدة بإشعار خطي لصاحب العمل قبل 30 يومًا ، اما اذا كان الانهاء من طرف صاحب العمل يجب ان يوجه كتابياً للعامل قبل60 يوماً.
- الفصل المشروع وفق المادة 80
ويجوز لصاحب العمل إنهاء العقد دون مكافأة أو إشعار إذا تحققت إحدى الحالات الواردة حصريًا في المادة (80)، ومنها:
– الاعتداء على صاحب العمل،
– الإخلال الجسيم بالواجبات او لم يطع الأوامر المشروعة المعلن عنها في مكان ظاهر من قبل صاحب العمل،
– الغياب الطويل دون مبرر او سبب مشروع ،
– تزوير الأوراق الرسمية.
-اذا افشى العامل الاسرار الصناعية او التجارية الخاصة بالعمل الذي يعمل به.
-اذا استغل مركزه الوظيفي بطريقة غير مشروعة للحصول على مكاسب شخصية.
-اذا وقع من العامل أي فعل او تقصير يلحق صاحب العمل بخسارة مادية بشرط ان يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال 24 ساعة من وقت علمه.
– اذا كان العامل مُعيَّناً تحت الاختبار.
-اذا ثبت اتباع العامل سلوكاً سيئاً او عملا مخلا بالشرف والأمانة.
- إنهاء العقد بالتراضي
وهو الأسلوب الأكثر توافقًا، شريطة أن يكون التراضي مكتوبًا وموثقًا عبر منصة قوى.
ثالثًا: الانقطاع عن العمل – التفسير الرسمي الجديد
تخضع حالات الانقطاع عن العمل لضوابط دقيقة ، حيث أصبح تعريف “الانقطاع” كما يلي:
“غياب العامل عن العمل مدة تتجاوز 30 يومًا خلال السنة التعاقدية الواحدة او اكثر من 15 يوما متصلة دون مبرر مشروع، مع عدم تجاوبه مع محاولات التواصل الموثقة من قبل صاحب العمل.”
ولا يُقبل البلاغ إلا إذا رُصدت محاولات التواصل عبر:
– البريد الإلكتروني،
– رسائل الجوال،
– محاضر داخلية،
– سجلات الحضور المرتبطة بأنظمة الوقت.
رابعًا: مسؤوليات صاحب العمل عند إنهاء العقد
يتعين على صاحب العمل الالتزام بالآتي:
- صرف المستحقات خلال 7 أيام من الإنهاء
وتشمل الأجور، الإجازات، المكافأة، وأي مزايا مستحقة.
- إصدار شهادة خدمة
بصيغة رسمية دون أي إشارات سلبية، وفقًا للمادة (64).
- الالتزام بتوثيق عقد الإنهاء
ويعد الإنهاء غير الموثق عبر قوى مخالفة نظامية.
- تسليم العامل كامل المستندات وشهادات التأمينات
بهدف إنهاء علاقته بالمنشأة بشكل نظامي.
خامسًا: مسؤوليات العامل عند إنهاء العقد
يتحمل العامل عددًا من المسؤوليات، أهمها:
- الالتزام بالإشعار النظامي
في العقود غير محددة المدة، حتى لا يعد الترك خروجًا غير مشروع.
- المحافظة على أسرار المنشأة
حتى بعد انتهاء العقد، إذا كان منصوصًا عليه في الاتفاق.
- إعادة جميع الأدوات والأصول
وتوثيق ذلك بمحضر تسليم.
- الالتزام بشرط عدم المنافسة (إن وُجد)
وهو شرط قانوني بشرط أن يكون محددًا بزمن ومكان ونشاط.
سادسًا: أبرز أنواع النزاعات العمالية
تشهد المنصات العمالية ارتفاعًا في بعض القضايا المرتبطة بإنهاء العلاقة التعاقدية، ومنها:
- المنازعات المتعلقة بالفصل التعسفي
حيث يدّعي العامل أن الإنهاء غير مشروع، بينما يدعي صاحب العمل وجود أسباب نظامية.
- عدم صرف مكافأة نهاية الخدمة
خاصة في العقود القصيرة أو العقود التي أُنهِيت دون إشعار.
- النزاعات المتعلقة بحماية الأجور
والتي أصبحت تُثبت تلقائيًا من منصة مدد.
- النزاعات المتعلقة ببلاغ الهروب
نتيجة رفض المنصة لبلاغات لا تستند إلى مستندات رقمية.
سابعًا: أثر التحول الرقمي على إنهاء العقود
أسهم التحول الرقمي في ضبط العلاقة التعاقدية من خلال:
- تقليل النزاعات بسبب التوثيق الرقمي
أصبح العقد، الحضور، الرواتب، الإنذارات- مسجلة إلكترونيًا.
- رفع مستوى الشفافية
لم يعد بإمكان أي طرف الادعاء دون دليل رقمي.
- تسريع الفصل في الخلافات
بعد اعتماد المنصة الرقمية للنزاعات العمالية.
- زيادة الالتزام النظامي لدى المنشآت
نتيجة التشديد في العقوبات المرتبطة بالتأخير أو عدم التوثيق.
ثامنًا: التعويضات المستحقة في حالات الفصل غير المشروع
يستحق العامل تعويضًا عند ثبوت الفصل التعسفي، يشمل:
- الأجر الشامل لمدة لا تقل عن شهرين.
- تعويضات إضافية إذا ترتب على الفصل ضرر معنوي أو مهني.
- مكافأة نهاية الخدمة كاملة.
- الأجور المتأخرة – في حال ثبوتها.
وقد شهد عام 2025 ارتفاعًا ملحوظًا في حجم التعويضات المقررة لصالح العمال نتيجة وضوح الأنظمة وتقدم المنصات الإلكترونية.
تاسعًا: خاتمة
يمثل موضوع إنهاء العلاقة التعاقدية في عقود العمل مع منصة مدد أحد أهم الموضوعات القانونية في الوقت الراهن داخل المملكة العربية السعودية، نظرًا لتأثيره المباشر على سوق العمل، واستقراره، وحماية حقوق أطراف العلاقة التعاقدية.
وتبرز السعودية اليوم نموذجًا متقدمًا في الحوكمة الرقمية وحماية الحقوق عبر منظومات إلكترونية محكمة، تضمن وضوح العلاقة التعاقدية وتسهّل حل النزاعات وتسهم في تعزيز بيئة عمل عادلة ومتوازنة.
