الفرق بين فسخ العقد وانفساخه في الفقه والقانون

تُعد العقود من أهم مصادر الالتزامات في النظامين الفقهي والقانوني، إذ تقوم العلاقات المالية والمعاملات المدنية والتجارية في المملكة العربية السعودية على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
غير أن هذه العقود قد لا تستمر إلى نهايتها الطبيعية، إذ قد تعترضها ظروف أو إخلال أحد الأطراف بالتزامه، فيثور التساؤل حول آلية إنهاء العقد: هل يتم ذلك بالفسخ أم بالانفساخ؟
ولأنّ الفقهاء والأنظمة الوضعية ميّزوا بين المصطلحين من حيث السبب والأثر، فإنّ بيان الفروق بينهما أمر جوهري في فهم طبيعة الالتزام وآثاره.

أولًا: تعريف الفسخ

  1. في الفقه الإسلامي

الفسخ في اللغة هو النقض والإزالة، وفي الاصطلاح الشرعي يُقصد به: انهاء الرابطة العقدية بإرادة أحد العاقدين أو بحكم الشرع، بعد أن كان العقد صحيحًا منتجًا لآثاره.
وقد عرفه الفقهاء بأنه “حلّ العقد بإرادة المتعاقد أو القاضي بسبب إخلال أحد الطرفين بما وجب عليه”.
ويُعدّ الفسخ في الفقه من الحقوق المقررة دفعًا للضرر أو منعًا للغرر، مثل فسخ البيع بالعيب أو الفسخ لتأخر أحد العاقدين عن الوفاء.

  1. في النظام السعودي

أخذ النظام السعودي بمبدأ الفسخ في عدة أنظمة، أبرزها نظام المعاملات المدنية السعودي (1445هـ)، الذي نص في المادة (107) على أن:

“في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يفِ احد المتعاقدين بالتزامه، فللمتعاقد الاخر بعد اعذاره المتعاقد المخل ان يطلب تنفيذ العقد او فسخه”.”

وبهذا يُقرّ النظام السعودي أن الفسخ هو جزاء للإخلال بالعقد، ويترتب عليه زوال الالتزامات المستقبلية دون المساس بما تم تنفيذه قبل الفسخ.

ثانيًا: تعريف الانفساخ

  1. في الفقه الإسلامي

الانفساخ يعني في اللغة الانقطاع أو الزوال من تلقاء نفسه.
وفي الفقه، هو: هو زوال  العقد بقوة القانون أو بطبيعته، دون حاجة إلى إرادة أحد الطرفين أو تدخل القاضي، بسبب أمر طارئ يجعل تنفيذ العقد مستحيلًا.
ومن أمثلته: هلاك المبيع قبل التسليم، أو وفاة أحد العاقدين في عقد يعتمد على شخصه كالوكالة أو المضاربة.

  1. في النظام السعودي

جاءت القواعد العامة في نظام المعاملات المدنية لتؤكد مبدأ الانفساخ التلقائي في حالات القوة القاهرة.
فالمادة (110) تنص على أن:

“إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً بسببٍ لا يد للمدين فيه، انقضى التزامه، والالتزام المقابل له، وانفسخ العقد من تلقاء نفسه.”

وعليه، فالانفساخ في النظام السعودي هو انتهاء العقد بقوة القانون دون إرادة أو خطأ من أحد الطرفين.

ثالثًا: الأساس القانوني للتمييز بين الفسخ والانفساخ

يقوم الفرق بين الفسخ والانفساخ على السبب القانوني والجهة التي تحدث الإنهاء.
ففي الفسخ، السبب هو إخلال أحد الأطراف بالتزامه، أما في الانفساخ فالسبب أمر خارجي طارئ لا دخل للطرفين فيه.
كما أن الفسخ يحتاج إلى طلب قضائي أو اتفاقي، بينما الانفساخ يحدث بقوة النظام تلقائيًا دون حاجة إلى حكم قضائي.

وفي هذا السياق، استقرت المحكمة العليا السعودية في أحكامها على أن الفسخ “جزاء للإخلال العقدي”، بينما الانفساخ “أثر قانوني لزوال محل العقد أو استحالة تنفيذه”.

رابعًا: الفروق الجوهرية بين الفسخ والانفساخ

الانفساخالفسخوجه المقارنة
سبب خارجي يجعل التنفيذ مستحيلًاإخلال أحد الأطراف بالتزامه العقديالسبب
أثر قانوني للقوة القاهرةجزاء على الخطأ العقديالطبيعة القانونية
بقوة القانون دون تدخلبإرادة المتعاقد أو بحكم القاضيالجهة التي تُحدث الإنهاء
يثبت بمجرد تحقق الاستحالةيحتاج إلى إعذار وإثبات إخلال الطرف الآخرالإثبات
انقضاء العقد من لحظة تحقق السببزوال الالتزامات المستقبلية فقطالأثر الزمني
لا تعويض لأنه بسبب لايد للمدين بهيجوز المطالبة بهالتعويض
انفساخ عقد إيجار بسبب هلاك العين المؤجرةفسخ عقد مقاولة لتأخر المقاول عن الإنجازمثال تطبيقي

خامسًا: التطبيقات القضائية في المملكة

تُظهر الأحكام القضائية السعودية تمييزًا دقيقًا بين الحالتين:

  1. الفسخ القضائي:
    في أحد الأحكام الصادرة عن المحكمة التجارية بالرياض، قضت المحكمة بفسخ عقد توريد بعد أن ثبت إخلال المورد بالتسليم في الوقت المحدد رغم الإعذار، مؤكدة أن الفسخ هنا “جزاءٌ عقدي يستند إلى إخلالٍ منسوب للطرف الآخر”.
  2. الانفساخ التلقائي:
    في قضية أخرى، قررت المحكمة انفساخ عقد إيجار لمبنى تجاري بعد احتراقه بالكامل قبل التسليم، معتبرة أن الانفساخ “نتيجة لاستحالة التنفيذ بسبب لا يد له فيه، ولا يُعد إخلالًا بالعقد”.
  3. التمييز القضائي بين الفسخ والانفساخ:
    أوضحت المحكمة العليا أن الفسخ “يُعيد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد”، أما الانفساخ “فيمنع نشوء الالتزامات المستقبلية دون إلغاء ما سبق تنفيذه”.

سادسًا: الأثر المترتب على الفسخ والانفساخ

  • في الفسخ:
    يعود الطرفان إلى الحالة الأصلية قبل التعاقد، ويُردّ كل ما تم قبضه إن أمكن، ويجوز المطالبة بالتعويض عن الضرر الناشئ عن الإخلال.
  • في الانفساخ:
    ينقضي العقد تلقائيًا دون مسؤولية أو تعويض، وتُرفع الالتزامات المستقبلية فقط، بينما تبقى الالتزامات السابقة صحيحة نافذة.

سابعًا: التحليل المقارن بين الفقه الإسلامي والنظام السعودي

يتضح أن النظام السعودي استمد أحكامه في هذا الباب من القواعد الفقهية الإسلامية التي تقرّ مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”، ومبدأ “لا ضرر ولا ضرار”.
فالفسخ يرتكز على قاعدة “من أخلّ بشرطه فُسخ عقده”، في حين أن الانفساخ يقوم على قاعدة “إذا فات محل العقد بطل حكمه”.
وبذلك يوازن النظام السعودي بين استقرار المعاملات وحماية الحقوق، دون تحميل أحد الطرفين مسؤولية عن سبب خارج عن إرادته.

خاتمة

يمكن القول إن الفسخ والانفساخ يشتركان في النتيجة – وهي إنهاء العقد – لكن يختلفان في السبب والمصدر والأثر القانوني.
فالفسخ جزاءٌ للإخلال العقدي، في حين أن الانفساخ نتيجة طبيعية لاستحالة التنفيذ.
ولذلك يحرص المشرّع السعودي على تنظيم كلٍّ منهما بما يحقق العدالة والتوازن بين مبدأ استقرار المعاملات وحماية الطرف المتضرر.
ويُوصى الممارسون القانونيون بإدراج شروط فسخ واضحة في العقود التجارية، مع النص على حالات الانفساخ التلقائي لتجنّب النزاعات المستقبلية.