يُعد مبدأ الرقابة القضائية على القرارات الإدارية أحد أهم ضمانات المشروعية في النظام الإداري السعودي، إذ يمنح الأفراد الحق في الطعن في القرارات التي تصدرها الجهات الإدارية حمايةً لحقوقهم ومراكزهم النظامية.
ولا تقتصر الرقابة على القرارات الإدارية الإيجابية (أي التي تُصدر فيها الجهة الإدارية قرارًا صريحًا)، بل تمتد أيضًا إلى القرارات السلبية، وهي تلك التي تتجسد في امتناع الإدارة أو رفضها اتخاذ قرار كان يجب عليها اتخاذه.
وقد اعترف القضاء الإداري السعودي، ممثلاً في ديوان المظالم، بهذه الصورة من القرارات واعتبرها قابلة للطعن بالإلغاء متى توافرت شروطها النظامية.
أولاً: تعريف القرار الإداري السلبي
القرار الإداري السلبي هو موقف سلبي تتخذه الإدارة بالامتناع عن اتخاذ قرار واجب اتخاذه نظامًا، أو برفضها اتخاذ هذا القرار دون مبرر مشروع، مما يُحدث أثرًا قانونيًا يمسّ مصلحة أحد الأفراد أو مركزه النظامي.
ويتميز القرار السلبي بأنه غير مكتوب وغير معلن، فهو لا يظهر في صورة قرار إداري صريح، بل يُستدل عليه من سلوك الإدارة أو سكوتها في موضع كان يوجب عليها النظام أن تتدخل فيه.
ومن ثم، فإن السكوت الإداري في هذه الحالة يُعد قرارًا ضمنيًا بالرفض، مما يفتح الباب للطعن عليه بالإلغاء أمام ديوان المظالم.
ثانياً: الأساس النظامي للطعن في القرار السلبي
أكدت المادة (13/ج) من نظام ديوان المظالم أن المحكمة الإدارية تختص بـ:
“الدعاوى المتعلقة بالقرارات الإدارية، بما في ذلك القرارات التأديبية والقرارات التي تُصدرها الجهات الإدارية، وكذلك الدعاوى التي تُقدَّم في شأن القرارات الإدارية السلبية.”
وهذا النص يُعد إقرارًا صريحًا بحق الأفراد في الطعن بالإلغاء ضد القرارات السلبية، وهو ما ينسجم مع مبدأ سيادة القانون الذي يخضع له كل من الإدارة والأفراد على حد سواء.
ثالثاً: أركان القرار الإداري السلبي
حتى يمكن الطعن في القرار السلبي، يجب أن تتوافر فيه الأركان العامة للقرار الإداري، وهي:
- ركن (الاختصاص)
أن تكون الجهة الممتنعة أو الرافضة مختصة بإصدار القرار المطلوب منها نظامًا، لأن الامتناع لا يُعد غير مشروع إلا إذا كان في نطاق اختصاصها القانوني. - الركن الشكلي
رغم أن القرار السلبي لا يُفرغ في شكل مكتوب، إلا أن الشكل المقصود هنا هو وجوب وجود التزام نظامي مسبق على الإدارة بالتصرف، فإذا لم يكن هناك التزام نظامي فلا قيام لقرار سلبي. - ركن السبب
أن يكون الامتناع أو الرفض غير قائم على سبب مشروع، كأن تمتنع الإدارة عن منح ترخيص رغم استيفاء مقدم الطلب لكافة الشروط النظامية. - ركن المحل
يتمثل في النتيجة القانونية المترتبة على الامتناع، أي الإضرار بمصلحة أو مركز نظامي لفرد كان ينتظر قرارًا إيجابيًا من الإدارة. - ركن الغاية
يجب أن يكون امتناع الإدارة بقصد أو أثر مخالف لمبدأ المصلحة العامة، كأن تستخدم الإدارة سكوتها كوسيلة لتعطيل حق مكتسب أو تهرب من مسؤولية نظامية.
رابعاً: شروط قبول دعوى إلغاء القرار السلبي
لا تُقبل دعوى إلغاء القرار الإداري السلبي أمام ديوان المظالم إلا بتوافر الشروط التالية:
الشروط الشكلية للطعن في القرار الإداري، وهي:
- يجب أن يسبق رفع الدعوى القضائية إلى المحكمة الإدارية للطعن في القرار الإداري، التظلم من قبل الطاعن أمام الجهة التي أصدرت القرار، خلال 60 يوماً من تاريخ علمه بالقرار.
- يتحقق علم الطاعن بالقرار إما بإبلاغه، أو بنشره في الجريدة الرسمية إذا تعذر الإبلاغ.
- يتوجب على الجهة الإدارية المختصة أن تبت في الطعن المتقدم خلال 60 يوماً من تاريخ تقديمه، فإذا صدر قرارها برفض ذلك التظلم، أو مضت مدة 60 يوماً دون البت فيه، فعندها يحق للمتظلم رفع الدعوى إلى المحكمة الإدارية خلال 60 يوماً من تاريخ العلم بالقرار الصادر بالرفض، أو من تاريخ انتهاء مدة الستين يوماً المحددة للجهة الإدارية دون البت في التظلم.
الشروط الموضوعية للطعن في القرار الإداري، وهي:
- أن يكون الطاعن له صفة ومصلحة في الطعن بالقرار الإداري، أي أن يكون القرار مضراً بمصلحته.
- أن يكون القرار المطعون فيه قراراً إدارياً لا قراراً تشريعياً أو قضائياً.
- أن يكون القرار الإداري المطعون فيه قراراً نهائياً لا قراراً تمهيدياً أو تحضيرياً أو تكميلياً.
خامساً: سلطة ديوان المظالم في الرقابة على القرار السلبي
يمارس ديوان المظالم رقابته القضائية على القرارات السلبية وفق معايير دقيقة، فيتحقق من توافر أركان القرار وشروطه، ومن مدى التزام الإدارة بمبادئ المشروعية.
ويملك القاضي الإداري:
- الحكم بـ إلغاء القرار السلبي إذا ثبت أن الإدارة امتنعت عن اتخاذ القرار دون سبب مشروع.
- إلزام الجهة الإدارية باتخاذ القرار المطلوب، كمنح الترخيص أو صرف المستحق أو اعتماد معاملة.
- رفض الدعوى إذا تبين أن الإدارة كانت محقة في امتناعها لوجود سبب نظامي يبرر ذلك.
وقد أكدت أحكام ديوان المظالم أن الامتناع غير المبرر عن البت في طلب المواطن يُعد تصرفًا إداريًا مخالفًا للقانون، يحق لصاحب الشأن الطعن فيه بالإلغاء حمايةً لحقوقه.
سادساً: أمثلة قضائية تطبيقية
من التطبيقات العملية في القضاء الإداري السعودي ما يلي:
- امتناع جهة إدارية عن منح ترخيص لمؤسسة تجارية رغم استيفاء شروط الترخيص القانونية؛ وقد قضت المحكمة بإلغاء القرار السلبي وإلزام الجهة بإصدار الترخيص.
- تأخر جهة حكومية في صرف مستحقات مالية لمتعاقد رغم اكتمال الإجراءات النظامية؛ واعتبر ديوان المظالم ذلك امتناعًا غير مشروع.
- رفض جهة تعليمية اعتماد معادلة شهادة دون مسوغ نظامي؛ فقضت المحكمة بإلغاء الامتناع وأمرت الجهة بإتمام المعادلة.
هذه السوابق تؤكد أن القضاء الإداري لا يقف عند حدود القرارات المعلنة، بل يمد رقابته إلى كل تصرف أو امتناع إداري يمس حقوق الأفراد.
سابعاً: الأثر المترتب على إلغاء القرار السلبي
يترتب على حكم الإلغاء:
- إزالة القرار السلبي من الوجود القانوني بأثر رجعي، واعتباره كأن لم يكن.
- إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل امتناع الإدارة.
- إلزام الجهة الإدارية بإصدار القرار الذي امتنعت عنه خلال مدة يحددها الحكم.
- وفي بعض الحالات، التعويض عن الأضرار الناتجة عن الامتناع متى ثبتت العلاقة السببية بينه وبين الضرر.
خاتمة
إن مبدأ إلغاء القرار الإداري السلبي يمثل ضمانة جوهرية لحماية حقوق الأفراد ضد تعسف أو تقاعس الجهات الإدارية.
فالإدارة، حين تمتنع عن أداء واجبها دون مسوغ نظامي، تكون قد أخلّت بمبدأ المشروعية، مما يستوجب تدخل القضاء لإعادة التوازن بين السلطة والحق.
وبذلك يُكرّس ديوان المظالم دوره كحارس للمشروعية في الدولة، فيؤكد أن السكوت الإداري ليس حصانة من الرقابة، بل صورة من صور القرار الإداري الخاضع للإلغاء متى مسّ حقًا مشروعًا.
