التحرش الإلكتروني في ضوء نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية

شهدت السنوات الأخيرة توسعاً كبيراً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية في المملكة، ما أوجد بيئة جديدة للتفاعل والتعبير، لكنها في الوقت ذاته فتحت الباب أمام ممارسات غير أخلاقية وسلوكيات مؤذية مثل التحرش الإلكتروني.
ويُعد هذا النوع من التحرش من الجرائم المعلوماتية الخطيرة التي تمسّ كرامة الإنسان وخصوصيته، وتترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة على الضحايا.

انطلاقاً من ذلك، جاء نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/17) وتاريخ 8/3/1428هـ ليضع إطاراً قانونياً صارماً يجرّم مثل هذه الأفعال ويحدد العقوبات المترتبة عليها، بما يحفظ كرامة الفرد ويحمي المجتمع من الانتهاكات الرقمية.

أولاً: مفهوم التحرش الإلكتروني

التحرش الإلكتروني هو كل سلوك عدائي وهو لفظي أو بصري أو كتابي عبر الوسائل التقنية، يتضمن عبارات أو صوراً أو إشارات ذات طابع جنسي أو مهين، تُرسل دون رضا الطرف الآخر، بقصد الإيذاء أو الابتزاز أو التهديد أو الإساءة.

وهو لا يقتصر على الرسائل الخاصة، بل يشمل أيضًا التعليقات، المقاطع المصوّرة، أو إعادة النشر التي تستهدف شخصًا معينًا بالإيحاء أو الإهانة أو التشهير.

ثانياً: الأساس النظامي للتجريم

نص نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في المادة السادسة على معاقبة كل من يرتكب أفعالًا تمسّ الآداب العامة أو الحياة الخاصة عبر استخدام وسائل تقنية المعلومات.
وتشمل العقوبات:

  • السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات،
  • أو غرامة تصل إلى 3 ملايين ريال سعودي،
  • أو كلاهما معًا.

كما جرم النظام التهديد، التشهير، الابتزاز، ونشر الصور أو المقاطع الخاصة دون إذن صاحبها، باعتبارها جميعًا من صور التحرش والإساءة الرقمية.

ثالثاً: العلاقة بين التحرش الإلكتروني ونظام مكافحة التحرش

رغم أن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية يُعد المرجع الأساسي في هذا النوع من الجرائم، إلا أن نظام مكافحة التحرش الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/96) لعام 1439هـ مكمل له، إذ وسّع نطاق الحماية ليشمل كل أشكال التحرش اللفظي أو الجسدي أو التقني في الأماكن العامة أو الخاصة أو عبر الوسائل الإلكترونية.

وبذلك يمكن للنيابة العامة أن تُكيّف الفعل وفق النظامين معًا بحسب طبيعة الجريمة، خاصة إذا تضمن التحرش عنصرًا إلكترونيًا كإرسال الصور أو التهديد بالنشر.

رابعاً: أركان الجريمة الإلكترونية للتحرش

لكي يتحقق التجريم النظامي، يجب أن تتوافر الأركان التالية:

  1. الركن المادي:
    استخدام وسيلة تقنية (هاتف، تطبيق، بريد إلكتروني، منصة تواصل).
  2. الركن المعنوي:
    توافر القصد الجنائي في الإيذاء أو الإهانة أو الإساءة.
  3. الركن الشرعي:
    وجود نص نظامي يجرّم الفعل، وهو ما نصت عليه المادة السادسة من النظام.

خامساً: إجراءات التبليغ والعقوبة

أتاحت النيابة العامة السعودية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهات الأمنية (كلنا أمن) قنوات إلكترونية للإبلاغ عن جرائم التحرش الإلكتروني بسرية تامة.

وتقوم وحدة مكافحة الجرائم المعلوماتية برصد الأدلة الرقمية وتحليلها، ثم إحالة المتهم إلى المحكمة الجزائية المختصة لإصدار الحكم المناسب.
وغالباً ما تأخذ المحاكم بعين الاعتبار خطورة الفعل وتأثيره على الضحية عند تقدير العقوبة.

سادساً: مسؤولية المحتوى وإعادة النشر

يظن البعض أن إعادة إرسال أو مشاركة محتوى مسيء لا تعتبر مخالفة، وهو تصور خاطئ؛ إذ يُعد إعادة النشر أو التعليق الذي يحمل إيحاءً تحرشيًا مشاركة في الجريمة وفق مبدأ “المساهمة الجنائية”.
لذا يجب على المستخدمين الحذر من التعامل مع المحتويات المسيئة أو تداولها حتى من باب المزاح، لأن المسؤولية النظامية قائمة بمجرد النشر أو الإرسال.

سابعاً: الأثر الاجتماعي والنفسي

تشير دراسات حديثة إلى أن التحرش الإلكتروني يؤدي إلى انعزال اجتماعي وخوف نفسي لدى الضحايا، ويقوّض الثقة في الفضاء الرقمي.
ومن هنا جاءت سياسة المملكة في تغليظ العقوبات وردع الجناة لحماية النسيج الاجتماعي وصون القيم الإسلامية والأخلاقية.

ثامناً: التحديات القانونية والتقنية

رغم فعالية النظام، لا تزال هناك تحديات قائمة، منها:

  • صعوبة إثبات الجريمة الرقمية في بعض الحالات عند استخدام أدوات التخفي.
  • الحاجة إلى زيادة الوعي المجتمعي بطرق الإبلاغ وأهمية توثيق الأدلة.
  • تطور وسائل التواصل يجعل الأنظمة بحاجة دائمة إلى التحديث التشريعي.

تاسعاً: رؤية المملكة 2030 والعدالة الرقمية

تؤكد رؤية المملكة 2030 على بناء بيئة رقمية آمنة تحمي المستخدمين وتدعم الثقة في التحول الرقمي، وقد جاء نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية كجزء من هذا التحول.
وتعمل الجهات العدلية والأمنية على تسريع التقاضي الإلكتروني، وتطوير الأدلة الرقمية بما يضمن عدالة متكاملة في الجرائم الإلكترونية.

يُعد التحرش الإلكتروني من أخطر الجرائم المستحدثة التي تمسّ خصوصية الإنسان وكرامته، ولذلك تعاملت معه المملكة بصرامة وعدالة من خلال نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ونظام مكافحة التحرش. فحماية الأفراد في الفضاء الرقمي لا تقل أهمية عن حمايتهم في الواقع، وهي مسؤولية جماعية تشترك فيها الجهات الرسمية والمجتمع والأفراد لبناء فضاء إلكتروني نظيف وآمن للجميع.

خاتمة

يُعد التحرش الإلكتروني من أخطر الجرائم المستحدثة التي تمسّ خصوصية الإنسان وكرامته، ولذلك تعاملت معه المملكة بصرامة وعدالة من خلال نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ونظام مكافحة التحرش.
فحماية الأفراد في الفضاء الرقمي لا تقل أهمية عن حمايتهم في الواقع، وهي مسؤولية جماعية تشترك فيها الجهات الرسمية والمجتمع والأفراد لبناء فضاء إلكتروني نظيف وآمن للجميع.

المراجع