المسؤولية المدنية للأطباء في المملكة

مقدمة

مهنة الطب من أنبل المهن وأكثرها ارتباطًا بحقوق الإنسان، حيث يتعامل الطبيب مع حياة المريض وصحته بشكل مباشر. وفي المقابل، يخضع الأطباء في المملكة العربية السعودية لمسؤوليات قانونية صارمة لضمان حماية المرضى والحد من الأخطاء الطبية. ومن أبرز صور هذه المسؤوليات المسؤولية المدنية التي تنشأ عند وقوع ضرر نتيجة خطأ أو إهمال أو تقصير من الطبيب.

أولًا: مفهوم المسؤولية المدنية للطبيب

المسؤولية المدنية تعني:

“الالتزام القانوني الذي يقع على الطبيب بتعويض المريض أو ذويه عن الضرر الذي لحق بهم نتيجة خطأ أو إهمال أثناء ممارسة المهنة.”

وتختلف المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية، فالأولى تتعلق بالتعويض المالي عن الضرر، بينما الثانية تتعلق بالعقوبات الجنائية كالمنع من مزاولة المهنة أو الحبس أو الغرامة.

ثانيًا: الأساس النظامي للمسؤولية المدنية في السعودية

تستند المسؤولية الطبية في المملكة إلى:

  1. نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/59 لسنة 1426هـ.
  2. اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية.
  3. القواعد العامة في نظام المسؤولية المدنية والشريعة الإسلامية، مثل قاعدة: لا ضرر ولا ضرار.

ثالثًا: أركان المسؤولية المدنية للطبيب

لكي تثبت المسؤولية المدنية على الطبيب، يجب توافر ثلاثة أركان:

  1. الخطأ الطبي: مثل التشخيص الخاطئ، إجراء عملية دون مبرر، وصف دواء غير مناسب.
  2. حدوث ضرر: كوفاة المريض أو إصابته بعاهة أو مضاعفات صحية خطيرة.
  3. علاقة سببية: أن يكون الضرر نتيجة مباشرة لخطأ الطبيب، لا لسبب خارجي أو قوة قاهرة.

رابعًا: صور الأخطاء الطبية التي تُنشئ المسؤولية

  • الإهمال: مثل ترك أدوات جراحية داخل جسم المريض.
  • الجهل أو التقصير: عدم الإلمام بالتقنيات الطبية الحديثة.
  • مخالفة الأصول العلمية: القيام بإجراءات مخالفة للمعايير الطبية.
  • إجراء دون موافقة المريض: العمليات أو الإجراءات الطبية دون أخذ الموافقة المستنيرة.

خامسًا: حدود المسؤولية المدنية للطبيب

النظام السعودي يوازن بين حماية المريض وحماية الطبيب:

  • الطبيب لا يُسأل مدنيًا إذا كان قد التزم بالأصول العلمية المتعارف عليها.
  • لا تثبت المسؤولية في حال كان الضرر ناتجًا عن مضاعفات متوقعة رغم بذل العناية اللازمة.
  • إذا كان المريض قد وافق على العلاج أو العملية بعد علمه بالمخاطر، قد يُخفف ذلك من مسؤولية الطبيب.

سادسًا: التعويض عن الضرر

يُحكم بالتعويض للمريض أو ذويه حسب جسامة الضرر:

  • الدية أو الأرش: في حالات الوفاة أو العجز.
  • التعويض المالي: عن الأضرار الجسدية أو النفسية أو المادية.
    ويُحدد التعويض من قبل الجهة المختصة بعد النظر في الدعوى.

سابعًا: الجهة المختصة بالنظر في القضايا الطبية

تُحال القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية بناء على التعميم الصادر من رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالرقم 1712/ت وتاريخ 1442/07/17 إلى القضاء العام وينعقد الاختصاص المكاني في نظر هذه الدعاوى للمحكمة العامة بالرياض ومحكمة الاستئناف في منطقة الرياض

ثامنًا: أهمية التأمين الطبي ضد الأخطاء المهنية

كثير من المستشفيات والأطباء في المملكة يعتمدون على التأمين ضد الأخطاء الطبية، وهو وسيلة مهمة لتغطية التعويضات المحتملة وتخفيف العبء المالي عن الطبيب أو المنشأة الصحية.

خاتمة

المسؤولية المدنية للأطباء في المملكة تهدف إلى تحقيق التوازن بين حق المريض في الحماية والتعويض، وبين حق الطبيب في ممارسة عمله بأمان دون خوف مفرط من العقاب إذا التزم بالأصول الطبية. ومن ثم، فهي أداة لضمان الجودة في الرعاية الصحية، ورفع مستوى الثقة بين الطبيب والمريض، بما ينعكس إيجابًا على القطاع الصحي ككل.