إصلاح وتأهيل ضمن إطار عدالة متكاملة
يمثل نظام السجون جزءًا لا يتجزأ من المنظومة القضائية والعدلية في أي دولة، إذ يُعد الأداة التنفيذية للأحكام القضائية التي تقضي بحرمان الشخص من حريته، جزئيًا أو كليًا، نتيجة ارتكابه لجريمة تستحق العقوبة.
وفي المملكة العربية السعودية، شهد نظام السجن تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، ليس فقط على مستوى الإجراءات الأمنية، بل على صعيد البنية التشريعية والحقوقية والإنسانية، بما يعكس التزام الدولة بمواءمة العقوبة مع مقاصد الشريعة وحقوق الإنسان، في إطار من العدالة والإصلاح.
أولاً: التعريف بنظام السجن
يقصد بنظام السجن في السعودية:
مجموعة القوانين واللوائح والإجراءات التي تنظم كيفية تنفيذ الأحكام القضائية المقضي بها بالحبس أو السجن، وتحدد حقوق السجناء وواجباتهم، وآليات المعاملة داخل المؤسسات العقابية، إضافة إلى الجهات المسؤولة عن الإشراف والتنفيذ.
ويُطبق هذا النظام على الأشخاص الذين حُكم عليهم بعقوبة سالبة للحرية، سواء في القضايا الجنائية أو الشرعية أو الحقوقية، ويشمل الرجال والنساء والقصّر.
ثانيًا: الإطار القانوني
ينظّم موضوع السجون في المملكة عدد من الأنظمة واللوائح، أبرزها:
- نظام الإجراءات الجزائية، الذي يحدد الضوابط القانونية للإيقاف والسجن.
- نظام السجون والتوقيف، الصادر بمرسوم ملكي رقم م/31 وتاريخ 21/6/1398هـ.
- اللائحة التنفيذية للسجون والتوقيف.
- أنظمة حقوق الإنسان والمراقبة القضائية.
- نظام الأحداث، الذي ينظم سجن الأحداث وتوقيفهم بطريقة مختلفة.
كما تخضع السجون لرقابة مستمرة من وزارة الداخلية، ومن جهات رقابية مستقلة مثل هيئة حقوق الإنسان، ومجلس الشورى.
ثالثًا: أهداف نظام السجن
لا يهدف السجن في المملكة إلى العقاب فحسب، بل إلى:
- تحقيق الردع العام والخاص.
- إعادة تأهيل النزيل ليصبح عضوًا فاعلًا في المجتمع.
- حماية المجتمع من خطر الجريمة.
- إتاحة الفرصة للإصلاح السلوكي والفكري.
- تقديم برامج تعليمية وتدريبية ومهنية داخل السجن.
وهذا النهج الإصلاحي ينسجم مع الشريعة الإسلامية التي تقوم على “العقوبة مع الرحمة”، و”الزجر مع الإصلاح”.
رابعًا: أنواع السجون
يشمل نظام السجون في السعودية عدة أنواع من المؤسسات العقابية، منها:
- السجون العامة: وتُدار من قبل المديرية العامة للسجون، وتستقبل المحكوم عليهم في قضايا مختلفة.
- سجون الأحداث: مخصصة للقصر (من 12 إلى 18 عامًا)، وتُدار تحت إشراف خاص يركز على الإصلاح التربوي.
- سجون النساء: وتراعي الخصوصية الشرعية والاجتماعية للمرأة.
- مراكز التوقيف المؤقت: تُستخدم للحبس المؤقت أثناء التحقيق والمحاكمة.
خامسًا: حقوق السجين
يحفظ النظام السعودي للسجين عددًا من الحقوق الأساسية، من أبرزها:
- الحق في المعاملة الكريمة، واحترام إنسانيته وعدم تعريضه للتعذيب أو الإهانة.
- الحق في الغذاء والرعاية الصحية مجانًا.
- الحق في التواصل مع أهله عبر الزيارة أو الاتصال.
- الحق في توكيل محامٍ والدفاع عن نفسه.
- الحق في التعليم والتدريب المهني داخل السجن.
- الحق في ممارسة الشعائر الدينية.
- الحق في التظلم أو تقديم شكوى ضد أي معاملة غير قانونية.
ويُلزم النظام إدارة السجون بتوفير بيئة آمنة تحفظ كرامة النزيل وتساعد في إصلاحه.
سادسًا: واجبات السجين
في مقابل الحقوق، يلتزم السجين بعدد من الواجبات:
- احترام أنظمة السجن وتعليماته.
- الامتناع عن الشغب أو الاعتداء على الآخرين.
- الالتزام بالنظافة العامة والشخصية.
- عدم حيازة ممنوعات أو أدوات مخالفة.
- التعاون في برامج التأهيل والتعليم.
ويجوز لإدارة السجن فرض عقوبات تأديبية داخلية (كالحرمان المؤقت من الزيارة) في حال الإخلال باللوائح.
سابعًا: برامج التأهيل داخل السجون
من أبرز ما يميز نظام السجون في المملكة، البرامج الموجهة لإصلاح السجين، وتشمل:
- برامج التعليم العام ومحو الأمية.
- برامج تحفيظ القرآن الكريم والدورات الدينية.
- ورش العمل والتدريب الحرفي (كالنجارة والخياطة والطباعة).
- برامج الدعم النفسي والاجتماعي.
- فرص مواصلة الدراسة الجامعية بالتنسيق مع جامعات سعودية.
- مشاريع إنتاجية يعود ريعها للسجناء.
ويُكافأ السجين المجتهد في هذه البرامج بـ”حوافز إصلاحية”، مثل تخفيف مدة المحكومية.
ثامنًا: نظام الخلوة الشرعية والزيارة
ينظم النظام السعودي حق السجين في التواصل مع أسرته من خلال:
- الزيارة الأسبوعية لأفراد العائلة.
- الخلوة الشرعية للمتزوجين، بشروط محددة.
- الاتصالات الهاتفية التي تتم تحت إشراف أمني.
- الزيارة الاستثنائية في حالات الطوارئ أو الأعياد.
وتُعد هذه الحقوق جزءًا من منظومة الدعم الاجتماعي لإعادة دمج السجين في المجتمع بعد الإفراج.
تاسعًا: العقوبات التأديبية داخل السجن
في حال ارتكب السجين مخالفة داخلية، يجوز لإدارة السجن معاقبته تأديبيًا، بـ:
- التنبيه أو الإنذار.
- الحبس الانفرادي المؤقت.
- الحرمان من الزيارة أو المكالمات لفترة محددة.
- النقل إلى سجن آخر.
- الحرمان من الامتيازات المتعلقة بالزيارة أو المكالمات وغيرها.
ويجوز للسجين التظلم من هذه العقوبات أمام لجنة مختصة.
عاشرًا: الإفراج والعفو
يشمل نظام السجون آليات للإفراج تشمل:
- الإفراج النظامي بانتهاء مدة العقوبة.
- الإفراج المشروط (لمن قضى جزءًا من العقوبة بحسن سلوك).
- العفو الملكي في المناسبات الوطنية والدينية.
- الإفراج الصحي في حالات المرض الخطير أو الشيخوخة.
كما يتضمن النظام ترتيبات للإفراج تحت الرقابة الإلكترونية في بعض الحالات.
خاتمة
إن نظام السجن في المملكة العربية السعودية يجمع بين التطبيق الصارم للعدالة، والبعد الإنساني والإصلاحي الذي يجعل من السجن بيئة للإصلاح لا مجرد مكان للعقوبة.
وتسعى الدولة، من خلال تطوير اللوائح وتوسيع برامج التأهيل، إلى خفض معدلات العودة للجريمة، وتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي.
ويظل احترام كرامة السجين، وضمان حقوقه، وتعزيز تأهيله، من أولويات النظام العدلي في المملكة، بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
مجموعة فهد ال خفير الدولية للمحاماة والاستشارات القانونية
للتواصل مع مدير عام المجموعة: 0559677777