في نظام الجرائم المعلوماتية في المملكة العربية السعودية، في خطوة تستهدف تعزيز الأمن السيبراني ومواكبة التطور التقني المتسارع، بما يتوافق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
فقد أصبحت الجرائم الإلكترونية اليوم من أخطر التحديات التي تواجه الأنظمة العدلية والاقتصادية والاجتماعية، ما استدعى إعادة النظر في النصوص النظامية القائمة وتوسيع نطاق التجريم لتشمل أنماطًا رقمية مستحدثة.
أولًا: خلفية نظام الجرائم المعلوماتية
صدر نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية لأول مرة بالمرسوم الملكي رقم (م/17) بتاريخ 8/3/1428هـ، ويُعدّ حينها نقلة نوعية في التشريع السعودي لحماية الفضاء الإلكتروني.
إلا أن التطورات التقنية اللاحقة — مثل الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي — فرضت واقعًا جديدًا تجاوز نطاق النصوص السابقة من حيث الأدلة الرقمية وآليات التجريم والإثبات. [1]
النظام يركّز على صور الجرائم التقليدية مثل الاختراق، وسرقة البيانات، والتشهير عبر الوسائط الإلكترونية، دون معالجة كافية لجرائم مستحدثة مثل “التزييف العميق” أو “الهندسة الاجتماعية الرقمية”. لذلك كان من الضروري تطوير نظام أكثر شمولية وديناميكية.
ثانيًا: أبرز جوانب النظام
ويمكن تلخيص أهم ملامح النظام فيما يلي:
- توسيع نطاق التجريم
أضاف النظام صورًا جديدة من الجرائم مثل استغلال الذكاء الاصطناعي في التضليل المعلوماتي، أو إنشاء محتوى مزيف يُحدث ضررًا عامًا أو خاصًا. [2] - رفع سقف العقوبات المالية
تضمنت التعديلات رفع الغرامات إلى ما يصل إلى 5 ملايين ريال سعودي في بعض الحالات التي تمس الأمن الوطني أو النظام المالي. - تعزيز التعاون المؤسسي
أوجب النظام تنسيقًا مباشرًا بين النيابة العامة والهيئة الوطنية للأمن السيبراني في القضايا الرقمية ذات الطابع الحساس. [3] - حماية الخصوصية الرقمية
أقرّ النظام نصوصًا جديدة تعاقب على جمع البيانات الشخصية دون موافقة صريحة من صاحبها، بما يتسق مع نظام حماية البيانات الشخصية - تجريم “التحريض الرقمي عبر استخدام الوسائل الإلكترونية في إثارة الفتن والتحريض على العنف والكراهية.
- فرض الرقابة على المواقع التي تروج للأنشطة غير القانونية.
ثالثًا: التحليل القانوني حول نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية
تتضح وجود نزعة تشريعية نحو الوقاية قبل العقوبة، إذ يسعى المشرّع إلى الردع المبكر من خلال التوسّع في نطاق التجريم، خصوصًا في الأفعال التي تُعدّ تهديدًا للأمن المعلوماتي والسيادة الرقمية.
كما يُلاحظ اعتماد النظام على مبدأ النية الاحتمالية في الجرائم الإلكترونية، حيث يمكن إدانة الفاعل ولو لم يتحقق الضرر المادي إذا ثبت قصده الاحتمالي لإحداث الضرر. [6]
ومن الناحية الإجرائية، منح النظام صلاحيات موسعة لهيئة التحقيق والادعاء العام في تتبع مصادر الجريمة الرقمية واستخدام الأدلة التقنية الموثقة.
ويُعد هذا التحول مواكبًا للاتجاه الدولي في تعزيز الاعتراف بالأدلة الإلكترونية كوسيلة إثبات قضائية. [7]
رابعًا: التحديات التطبيقية والجدل الفقهي
رغم أهمية النظام، إلا أن هناك إشكاليات عملية وفقهية لا تزال محل نقاش بين الممارسين القانونيين، من أبرزها:
- تحديد النية الجنائية في الجرائم الرقمية، حيث يصعب إثباتها في ظل طبيعة التقنية التي تتيح إخفاء الهوية أو استخدام أدوات تشفير متقدمة.
- التوازن بين حرية التعبير والتجريم الإلكتروني، إذ يخشى بعض الفقهاء أن يؤدي التوسّع في النصوص إلى تقييد حرية الرأي والنقد المشروع في الفضاء الإلكتروني. [8]
- ضعف الثقافة القانونية الرقمية لدى المستخدمين، ما يجعل العديد من الأفراد يقعون تحت طائلة النظام دون قصد.
- الحاجة لتأهيل الخبراء الفنيين والقضاة في مجالات الأدلة الرقمية والتحقيق الإلكتروني لضمان عدالة التطبيق. [9]
خامسًا: الآثار القانونية والاجتماعية
أحدث النظام أثرًا مباشرًا في رفع مستوى الوعي القانوني المجتمعي بخطورة الأفعال غير المشروعة عبر الوسائط الرقمية.
كما عزّز ثقة المؤسسات المالية والشركات التقنية في البيئة الرقمية السعودية، مما ينعكس إيجابًا على الأمن الاقتصادي والاستثماري.
في المقابل، تزايدت الحاجة إلى تعزيز مفهوم الأمن السيبراني الوقائي بوصفه مكوّنًا من مكونات الثقافة القانونية العامة. [10]
سادسًا: التوصيات
- إعداد برامج توعوية مستمرة للمستخدمين حول المخاطر القانونية للأنشطة الرقمية.
- استخدام برامج مكافحة الفيروسات وتحديثها باستمرار.
- لاتعط معلومات شخصية ما لم تكن امنة.
- لاتنقر على الروابط الموجودة في رسائل البريد الالكتروني العشوائية او مواقع الويب غير الموثوق فيها
- الاتصال بالشركات مباشرة بخصوص الطلبات المشبوهة عبر موقعهم الرسمي للتاكد من صحة الاتصال
خاتمة
يُعدّ نظام الجرائم المعلوماتية خطوة استراتيجية متقدمة في مسار حماية الأمن الوطني والاقتصادي والاجتماعي للمملكة العربية السعودية.
ومن خلال هذا، أظهر نظام الجرائم المعلوماتية وعيًا متقدّمًا بالتحديات التقنية المعاصرة، وسعيًا لتحقيق التوازن بين الردع الوقائي والحماية القانونية من جهة، وضمان الحقوق الرقمية للمجتمع من جهة أخرى.
