مسؤولية المدير عن ديون الشركة

يعد مدير الشركة أحد أهم عناصر إدارتها، إذ يمثل مركز القيادة التنفيذية التي توجه أعمالها وتدير أصولها والتزاماتها. وبقدر ما يملك من صلاحيات، تترتب عليه مسؤوليات نظامية تهدف إلى حماية حقوق الشركاء والدائنين، وضمان التزام الشركة بأحكام النظام والعقود المنظمة لها.
وتُثار المسؤولية النظامية للمدير بصفة خاصة عند إخلاله بواجباته الإدارية أو النظامية، أو في حال تجاوز سلطاته بما يلحق ضررًا بالشركة أو الغير، سواء أكان ذلك في الشركات ذات المسؤولية المحدودة أم في شركات التضامن.

أولاً: الإطار النظامي لمسؤولية المدير

نظّم نظام الشركات السعودي الجديد (الصادر عام23/12/ 1443هـ)  وقد أكد المشرّع على أن المدير يُعتبر وكيلاً عن الشركة في إدارة شؤونها، وتسري عليه أحكام الوكالة من حيث حدود التصرف والضمان.
وبالتالي فإن مسؤوليته تنشأ متى ثبت أنه تصرف بخلاف عقد التأسيس أو النظام أو بغير تفويض صحيح أو بما يخالف مصلحة الشركة أو تسبب بخطئه في إلحاق ضرر بها أو بدائنيها.

ثانياً: أنواع مسؤولية المدير

  1. المسؤولية النظامية (الإدارية)

وهي مسؤولية المدير أمام الجهة الإشرافية المختصة – مثل وزارة التجارة أو هيئة السوق المالية – عن مخالفة النظام أو اللوائح التنفيذية، كعدم مسك الدفاتر التجارية، أو التأخر في القوائم المالية، أو الامتناع عن التسجيل في السجل التجاري.

  1. المسؤولية المدنية

تقوم هذه المسؤولية إذا ألحق المدير ضررًا ماديًا بالشركة أو بالغير نتيجة إهمال أو سوء إدارة أو مخالفة أحكام النظام أو عقد التأسيس.
ويكون ملزمًا بتعويض الضرر سواء أكان فعله عمديًا أم ناتجًا عن إهمال جسيم.
وان للمدير القيام بالعديد من الإجراءات و التي من بينها اتخاذ كل الإجراءات التي يرى أنها في صالح الشركة بشرط أن لا تكون مخالفة لما أتى في القانون السعودي بطبيعة الحال ، عل سبيل المثال بيع عقارات الشركة دون حاجة لاستصدار إذن الشركاء أو تفويض منهم

ثالثاً: مسؤولية المدير عن ديون الشركة

  1. الأصل العام: انفصال الذمة المالية

الأصل في النظام السعودي أن ذمة الشركة مستقلة عن ذمة مديرها أو شركائها، وبالتالي فإن المدير لا يُسأل شخصيًا عن ديون الشركةإلا في حدود ما نص عليه النظام أو ثبت فيه تعدٍ أو إهمال جسيم.
فالشركة ذات المسؤولية المحدودة مثلاً تُعد شخصية اعتبارية مستقلة، تلتزم بذمتها الخاصة، وليس بذمة مديرها أو ملاكها.

  1. الاستثناء: في حال الخطأ أو الغش أو إساءة الإدارة

تتحقق مسؤولية المدير عن ديون الشركة في الحالات التالية:

  • إذا ثبت أنه تصرف لحساب الشركة بما يخالف غرضها الأساسي أو تجاوز حدود التفويض الممنوح له.
  • إذا قام بإبرام عقود أو التزامات وهو يعلم أن الشركة في حالة إعسار أو توقف عن الدفع.
  • إذا خلط أمواله الشخصية بأموال الشركة أو استغل اسمها لتحقيق مصالحه الخاصة.
  • إذا قام بأعمال تنطوي على غش أو تدليس أو إخفاء بيانات مالية جوهرية.

في هذه الحالات يجوز للدائنين الرجوع على المدير بشخصه للمطالبة بالوفاء بديون الشركة، باعتبار أن تصرفه قد أحدث ضررًا متعمدًا يخرجه من نطاق الحماية القانونية للشخصية الاعتبارية.

رابعاً: مسؤولية المدير في الشركات ذات المسؤولية المحدودة

  • المسوولية عن كل الأطراف في الشركة وكافة الإجراءات التي يتم اتخاذها باسم الشركة او نيابة عنها
  • المسوولية عن النزاعات التي قد تنشا بين الشركة والأطراف الاخر.
  • المسوولية عن القرارات التي يتخذها باسم الشركة
  • المسوولية عن كل الإجراءات التي يرى انه في صالح الشركة

خامساً: مسؤولية المدير في شركات التضامن

تختلف المسؤولية هنا اختلافًا جوهريًا؛ إذ أن الشركاء في شركة التضامن – بمن فيهم المدير – يسألون في أموالهم الخاصة عن ديون الشركة متضامنين،
فإذا كان المدير شريكًا متضامنًا، فإنه يُسأل شخصيًا عن ديون الشركة حتى بعد تصفيتها، ما لم يثبت إعفاؤه بنص صريح أو باتفاق لاحق لا يضر بالدائنين.
أما إذا كان المدير غير شريك، فتُطبق عليه القواعد العامة للمسؤولية المدنية عن الضرر أو التجاوز في حدود التفويض.

سادساً: عبء الإثبات في دعاوى المسؤولية

يقع عبء إثبات الخطأ أو التقصير على الجهة المدعية، سواء كانت الشركة نفسها أو أحد الشركاء أو الدائنين.
ويشترط لإقامة الدعوى أن يكون هناك ضرر محدد ناتج عن تصرف المدير، وأن يكون بين فعله والضرر علاقة سببية مباشرة.
فلا تُقبل الدعوى إذا كانت الأخطاء إدارية يسيرة لم تُحدث ضررًا فعليًا.

سابعاً: حدود المسؤولية في مرحلة التصفية والإفلاس

إذا تبين أثناء التصفية أو الإفلاس أن المدير قام بتصرفات أدت إلى زيادة التزامات الشركة أو إخفاء مركزها المالي الحقيقي، فيجوز للمحكمة – بناءً على طلب المصفي أو الدائنين – تحميله جزءًا من الديون أو كاملها إذا ثبت تعمده أو إهماله الجسيم.
وقد أكدت اللائحة التنفيذية لنظام الشركات على أن المدير الذي يبرم عقودًا وهو يعلم أن الشركة عاجزة عن الوفاء يُعد مسؤولًا تضامنيًا مع الشركة عن تلك الالتزامات.

ثامناً: إجراءات رفع الدعوى ضد المدير

يحق لكل من:

  • الشركة ذاتها ممثلة في الشركاء،
  • أو أحد الشركاء بصفته الشخصية،
  • أو الدائنين المتضررين،
    رفع دعوى المسؤولية المدنية أو الجزائية ضد المدير أمام المحكمة التجارية المختصة.

ويجوز للمحكمة – عند ثبوت الخطأ – أن تحكم عليه بالتعويض، أو أن تأمر بمنعه من إدارة الشركات مستقبلاً لمدة معينة إذا كان الخطأ جسيماً أو متكرراً.

خاتمة

إن مسؤولية المدير عن ديون الشركة في النظام السعودي تقوم على مبدأ دقيق هو التمييز بين الخطأ الإداري المشروع والخطأ الجسيم أو الغش.
فالمدير الذي يباشر صلاحياته بحسن نية وفي حدود النظام لا يُسأل عن التزامات الشركة، لأنها تخص شخصها الاعتباري.
أما إذا تجاوز سلطاته أو تصرف بسوء نية أو تسبب بإعسارها، فإنه يُسأل في أمواله الخاصة حمايةً للدائنين وحسن سير التعاملات التجارية.

وبذلك يؤكد النظام السعودي توازنه بين ضمان حرية الإدارة وتحقيق العدالة للمتضررين، ليظل مبدأ المسؤولية ركيزة أساسية في إدارة الشركات وفق قيم الشفافية والنزاهة التي تقوم عليها رؤية المملكة 2030.