التستر التجاري

يُعتبر التستر التجاري أحد القضايا الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السعودي، حيث يمثل ظاهرة غير قانونية لها تأثيرات سلبية على الاستثمار والسوق المحلي. يسعى النظام السعودي إلى مكافحة التستر التجاري من خلال وضع قوانين صارمة وتطوير آليات رقابية تُعنى بتحقيق بيئة اقتصادية عادلة تساهم في تعزيز الاستثمارات ودعم التنافسية بين المشاريع.

تعريف التستر التجاري

التستر التجاري هو قيام مواطن سعودي أو شركة سعودية بالسماح لغير السعوديين بممارسة نشاط تجاري داخل المملكة باستخدام اسم المواطن أو الشركة دون أن يكون للأجنبي ترخيص قانوني بذلك. يظهر التستر التجاري في عدة أشكال؛ إذ يمكن أن يشمل تأجير السجل التجاري للأجانب أو توظيفهم بدون تصريح أو فتح حسابات مصرفية خاصة بهم. يتعارض هذا النشاط مع الأنظمة التجارية في المملكة ويشكل مخالفة صريحة للقوانين التنظيمية.

أشكال التستر التجاري

تتنوع أشكال التستر التجاري وتظهر بعدة طرق، من أبرزها:

  1. التأجير غير القانوني للسجلات التجارية: يقوم بعض المواطنين بتأجير سجلاتهم التجارية لغير السعوديين مقابل عوائد مالية.
  2. فتح حسابات مصرفية لأجانب: يتم فتح حسابات مصرفية للأجانب واستخدامها في تنفيذ الأنشطة التجارية دون رقابة.
  3. التوظيف غير القانوني: يقوم المواطن بتوظيف غير السعوديين للعمل نيابة عنه في إدارة الأعمال.
  4. الاستثمار غير المرخص: يتمثل في تمويل الأجانب للمشاريع وإدارتها تحت أسماء سعودية، مما يعدّ مخالفة صريحة للنظام.

أسباب انتشار التستر التجاري

تتعدد أسباب انتشار التستر التجاري في المملكة، ومن أهمها:

  1. الربح السريع: يسعى البعض لتحقيق مكاسب سريعة عن طريق الاستفادة من الأجانب عبر تأجير السجلات أو السماح لهم بتشغيل مشاريع غير مرخصة.
  2. الاستغلال الأجنبي: يقوم البعض من غير السعوديين باستغلال المواطنين غير المدركين لمخاطر التستر التجاري لتحقيق مكاسب شخصية.
  3. الثغرات القانونية: يستغل بعض المتسترين الثغرات التنظيمية التي قد توجد في النظام.
  4. التهرب الضريبي: التستر يساعد على التهرب من دفع الضرائب والرسوم المستحقة، مما يؤثر على الإيرادات العامة للدولة.

الآثار السلبية للتستر التجاري

للتستر التجاري آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد والمجتمع السعودي، من أبرزها:

  1. ضعف التنافسية: يعمل التستر التجاري على إضعاف التنافسية بين الشركات، حيث يسمح للأجانب بمزاولة النشاطات التجارية بطرق غير قانونية تؤدي إلى خلق منافسة غير عادلة.
  2. هدر الإيرادات الحكومية: يساهم التستر في تقليص الإيرادات الحكومية من الضرائب والرسوم، مما يؤثر على الاقتصاد الوطني.
  3. ارتفاع نسب البطالة: التستر التجاري يخلق وظائف غير مستقرة ويعتمد على العمالة الوافدة بدلاً من المواطنين، مما يؤدي إلى تراجع فرص العمل للمواطنين.
  4. التأثير على جودة الخدمات والمنتجات: يؤثر التستر على جودة الخدمات والمنتجات المقدمة للسوق المحلي بسبب غياب الرقابة والجودة في بعض الحالات.

دور الحكومة في مكافحة التستر التجاري

تسعى الحكومة السعودية إلى التصدي للتستر التجاري عبر عدة مبادرات وإجراءات، تشمل:

  1. إصدار قوانين مكافحة التستر: اعتمدت المملكة عدة تشريعات وقوانين تهدف إلى مكافحة التستر التجاري، مثل نظام مكافحة التستر الصادر في 2019، الذي يفرض عقوبات صارمة على المتسترين.
  2. تعزيز الرقابة: تعمل الجهات الرقابية على تعزيز الرقابة التجارية من خلال حملات تفتيشية مكثفة للكشف عن المخالفات.
  3. تطوير نظام الإفصاح المالي: تسعى وزارة التجارة إلى تطوير أنظمة الإفصاح المالي التي تهدف إلى تعزيز الشفافية المالية، بحيث يصبح من الصعب ممارسة الأنشطة غير القانونية.
  4. التوعية العامة: أطلقت الجهات الحكومية حملات توعوية لنشر الوعي بمخاطر التستر التجاري بين المواطنين وأصحاب الأعمال الصغيرة.

عقوبات التستر التجاري في السعودية

يتضمن نظام مكافحة التستر التجاري فرض عقوبات صارمة على المخالفين، تشمل:

  1. الغرامات المالية: تصل الغرامات المالية على المتسترين إلى 5 ملايين ريال سعودي حسب درجة المخالفة.
  2. السجن: تصل العقوبة بالسجن إلى خمس سنوات لمن يثبت تورطه في التستر.
  3. الترحيل: يتم ترحيل الوافدين المتورطين في قضايا التستر ومنعهم من العودة للمملكة.
  4. إغلاق النشاط التجاري: يتم إغلاق النشاط التجاري المتورط في التستر وسحب السجلات التجارية.
  5. منع ممارسة الأنشطة التجارية: يُمنع المتسترون من ممارسة الأعمال التجارية لفترة معينة، مما يضمن ردع المتورطين.

جهود وزارة التجارة السعودية

تبذل وزارة التجارة السعودية جهوداً كبيرة في مكافحة التستر التجاري من خلال إطلاق برامج ومبادرات تشمل:

  1. البرنامج الوطني لمكافحة التستر: يسعى هذا البرنامج إلى القضاء على التستر التجاري وتحديث الأنظمة التجارية لضمان التزام كافة الأنشطة التجارية بالقوانين.
  2. إطلاق نظام البلاغات: تتيح وزارة التجارة نظاماً للبلاغات يسمح للمواطنين والمقيمين بالإبلاغ عن حالات التستر بسرية تامة، مع تقديم مكافآت مالية للمبلغين في حال ثبوت التستر.
  3. التعاون مع الجهات الحكومية: تتعاون وزارة التجارة مع الجهات ذات الصلة كوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والهيئة العامة للزكاة والدخل في حملات رقابية مشتركة للقضاء على التستر التجاري.

كيف يُمكن للأفراد والمؤسسات تجنب التورط في التستر التجاري؟

يتطلب تجنب التستر التجاري الالتزام بالقوانين والحرص على اتباع الأنظمة التجارية، ومن النصائح التي يُمكن اتباعها:

  1. التأكد من نظامية العلاقة التجارية: يجب على الأفراد التأكد من أن كافة العلاقات التجارية تُجرى وفق النظام، وعدم المشاركة في أي نشاط غير مرخص.
  2. توفير عقود عمل قانونية: يُنصح بتوفير عقود عمل قانونية لكل موظف توضح شروط وأحكام العمل وفق قوانين العمل.
  3. الحرص على الرقابة المحاسبية: يُعد الالتزام بالأنظمة المحاسبية دليلاً على الشفافية ويمنع المتورطين من استغلال السجلات التجارية.
  4. الاستشارة القانونية: يُفضل الاستعانة بالمحامين المختصين لضمان توافق الأنشطة التجارية مع النظام وتجنب التورط في ممارسات غير قانونية.

استراتيجيات جديدة لمكافحة التستر التجاري

تعمل المملكة على تطبيق تقنيات حديثة لمكافحة التستر التجاري، وتشمل بعض الاستراتيجيات:

  1. التحول الرقمي: يساعد التحول الرقمي في تحسين الرقابة على الأنشطة التجارية، حيث يُمكن تتبع الأموال والمراقبة الآنية للمعاملات.
  2. استخدام الذكاء الاصطناعي: تعتمد الجهات المختصة على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وكشف حالات التستر التجاري.
  3. تعزيز التعاون الدولي: تتعاون المملكة مع جهات دولية للحد من التستر التجاري عبر متابعة الأصول المالية وتدقيق المعاملات التجارية.

الأهمية الاقتصادية لمكافحة التستر التجاري

تلعب مكافحة التستر التجاري دوراً كبيراً في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال عدة محاور، منها:

  1. زيادة الفرص الوظيفية للمواطنين: يسهم القضاء على التستر في توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين.
  2. تحقيق العدالة في السوق: يساهم في تحقيق سوق تجاري عادل يتسم بالتنافسية المشروعة، مما يعزز ثقة المستثمرين.
  3. زيادة الإيرادات الحكومية: يُمكن للمملكة تحسين إيراداتها من الضرائب والرسوم عند القضاء على التستر، مما يدعم التنمية الاقتصادية.

الختام

يُعتبر التستر التجاري قضية حيوية تتطلب تضافر الجهود من كافة الأطراف المعنية للحد من تأثيرها السلبي على الاقتصاد والمجتمع السعودي. إن الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة السعودية في مكافحة التستر التجاري تؤكد على التزامها ببناء بيئة اقتصادية آمنة، وضمان عدالة السوق. يبقى وعي الأفراد والشركات بمخاطر التستر التجاري واتباع الأنظمة التجارية هو السبيل الأمثل لتحقيق اقتصاد نزيه ومستقر.

المحامي/ فهد ال خفير
رئيس مجموعة فهد ال خفير للمحاماة والاستشارات القانونية